الخميس، 10 ديسمبر 2015

اتجاه الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات والقمح والكهرباء يثير ردود افعال متضاربة




نذر مواجهة مرتقبة في البرلمان بين من هم مع، ومن هم ضد.
بين الشك  واليقين تضاربت الأقاويل حوله، ولمآلات تطبيقه، وصعوبات إنزاله لأرض الواقع، بينما صمت عنه المسؤلون ردحاً من الزمان ، حتى قلنا ليتهم تحدثوا، ثم كان.  فقلنا ليتهم سكتوا.  وهكذا ،وفي حين غرة قطع وزير المالية "بدر الدين محمود" ،قول كل خطيب، وتحت قبة البرلمان، فجرها داوية ، بمطالبته البرلمان برفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء.ومازال صدى تلك المطالبة  يرن في الخارج.
سنوات عدة مضت، والحكومة تراوح مكانها فيما يتعلق بموقفها من رفع الدعم ،فهي لا تتحدث عنه إلا داخل الغرف المغلقة ،لأهميته بالنسبة لها، من جهة ، ولحساسيته لدى المواطن، من الجهة الاخرى. ولكن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية ، واشتداد الأزمة التي تدافعت حلقاتها تباعاً على الدولة ، يبدو أنها حسمت أمرها،  ولجأت إلى آخر العلاج وهو  الكي.
فكان أن أعلن وزير المالية،  عن اتجاه حكومته للتدرج في رفع الدعم عن المحروقات والقمح والكهرباء ، ثلاثتهم، تباعاً بذات الوقت، وفي الوقت الحرج، تماما. وللتقليل من أثر   الصدمة لوح الوزير  بزيادة الأجور والمعاشات ،بالإضافة لدعم الشرائح الضعيفة، واعتبر أن ما يعيشه الاقتصاد السوداني كان متوقعاً، أذ  أن الفرد في المجتمع أصبح مجرد مستهلك وليس منتجاً، على حد قوله.
في هذا الاثتاء تلوح في  الأفق نذر مواجهة داخل البرلمان. فقد تباينت  الآراء حول قبول أو رفض طلب رفع الدعم ،عن ما أسماه البعض بالثلاثي (مثلث الرعب) ،باعتبار ان السلع الثلاثة هى عصب الحياة، يرى خبراء أن رفع الدعم عنها قد يجر البلاد إلى حافة الهاوية ، في ظل تصاعد أسعار العملة الأجنبية والسلع. واستعجل "محمود" الدولة لرفع الدعم أو لاستغلال فرص انخفاض السلع عالمياً ، ونبه إلى أن سياسة رفع الدعم أقرها البرلمان سابقاً، بالتدرج.
إلا أن برلمانيين حذروا من مغبة رفع الدعم عن السلع الأساسية ،وحملوا الدولة ووزراء القطاع الاقتصادي مسؤولية تدهور الاقتصاد ،بتراجع هيبة الدولة بسبب الأوضاع الاقتصادية، مطالبين الحكومة بتخفيض الصرف الإداري. واقترحت عضو البرلمان "أماني السماني" إلغاء وزارات محددة وتحويلها إلى مديريات. وقالت: (زي ما المواطن استحمل يشتري بصلة بواحد جنيه، هم عليهم يتحملوا).
في الأثناء أثار طلب الحكومة لغطاً واسعاً، وتباينت الآراء حول مآلات الأوضاع في حال قبول البرلمان طلب المالية ورفع الدعم عن السلع الثلاث، واعتبر خبراء أن الأمر يعتبر مرفوضاً برمته من قبل المواطن، المحاط بظروف اقتصادية سيئة ولا يحتمل معها مزيداً من الضغوط. ومازالت أحداث سبتمبر حاضرة ،تشحذ الذاكرة ، لتستعيد  يوم أن خرجت الجماهير متدافعة  إلى الشارع، متخطية حاجز الصبر ، بعد أن كان خبر رفع الدعم عن المحروقات بالنسبة لها (كالطامة الكبرى).  وها هو شبح اليأس والقنوط يعاود مجدداً، وتسيطر المخاوف على الناس،  من واقع لم يتسنَّ لهم أو يترك لهم الخيار،  لرسم حرف جديد.
وكان رئيس لجنة الطاقة د."حياة أحمد الماحي" قد أكدت لـ(المجهر) سابقاً عدم وجود أية زيادة في تعرفة الكهرباء، فيما رأت أن الكهرباء بالتعرفة الحالية غير فاعلة، أي لا تغطي التكلفة، وأكدت أنهم كجهة مسؤولة عن المواطن،  لا يمكن أن تقبل برفع سعر الكهرباء، ولكن عادت ،وأشارت إلى إمكانية معالجة الوضع من خلال عدة اقتراحات، ورجحت الدراسة التي تعطي فيها المواطن كهرباء مدعومة، حوالي (400) كيلوواط دون رفع السعر، بعد ذلك (تطلق الكهرباء يدها) في أي زيادة أخرى. واعتبرت أن (400) كيلوواط، مناسبة لأي أسرة في متوسط الاستهلاك.
وقالت إنهم ،كبرلمان، لن يقترحوا أي زيادة، وإذا جاءت هذه الزيادة، فان  استطاعوا (سيتخارجوا منها) وإذا وجد البرلمان فرصة لرفضها، لن تجاز. إذن قد يذهب البرلمان إلى خيار الدعم الجزئي للأسر الصغيرة ومتوسطة الاستهلاك. في المقابل بررت الحكومة اتجاهها لرفع الدعم عن القمح بانخفاض أسعاره عالمياً، الشيء الذي يجعل الدعم يتجه للشركات المستوردة، وسبق أن أعلن وزير الدولة بالمالية "عبد الرحمن ضرار" ، عن اتجاه وزاراته لرفع الدعم عن القمح بزيادة سعر صرف الدولار ،عقب ارتفاعه الأخير من (4) جنيهات إلى (6) جنيهات.
وبرر ذلك بأن التعديل يأتي لإزالة التشوهات، ومعالجة دعم الأسعار، ووصف الخطوة بالإيجابية، للخروج لاحقاً من الدعم بصورة نهائية.
فيما يرى "محمود" أن حجم الدعم للقمح في الميزانية السنوية حوالي ثلاثة مليارات جنيه سوداني، أي ما يعادل (500) مليون دولار أمريكي، وقال إن رفع الدعم عن القمح سينعكس على سعر الصرف، وسيمكن البنك المركزي من بناء احتياطي نقدي للعملات الأجنبية.
فيما قطع محللون بعدم جدوى العائدات الناتجة من رفع الدعم عن المحروقات، التي قدرت بـ(ملياري جنيه) سابقاً، واعتبروا أن الدولة تلجأ إلى الخيارات السهلة، والأقل تكلفة بالنسبة لها، فيما تتجاهل خيارات أخرى، يمكن أن تواجه بها الأزمة. ورأوا  أن زيادة المرتبات ستؤدي إلى زيادة التضخم وارتفاع السلع، وأن المواطن وحده سيتحمل الإصلاحات الاقتصادية. واعتبر خبير اقتصادي، فضل حجب اسمه، أن رفع الدعم عن الثلاثة سلع ، في ذات الوقت، كأنما تركت الحكومة نصف الشعب حفاة وعراة، ثم افترشت لهم الشوك وتركتهم لمصيرهم، فالمحروقات حسب قوله، هي عمود الحركة الصناعية والزراعية، وبالتالي حياة الناس ،والقمح هو قوة الناس في بلد يصارع الناس لبقائهم على قيد الحياة ،مع ارتفاع المعيشة. والحديث عن ذهاب الدعم للأغنياء، لا يلامس جانباً من الصحة بمكان، كيف ،والوقود يرتبط بالمواصلات ،مما يعني زيادة التعرفة .والقمح يعني زيادة الخبز ،بينما الكهرباء ربما ستكون (الجرح الأقل ألماً)، لأنها من السلع التي يمكن الاستغناء عنها، إذا دعت الضرورة، واستهلاكها في الكفاف. واعتبر أن العلة ليست في قلة موارد الدولة، وإنما في إدارة هذه الموارد.
 
وذهب النائب البرلماني "عبد الرحيم عيسى" في ذات الاتجاه منتقداً تقارير القطاع الاقتصادي، أثناء تلاوة وزير المالية لتقريره في البرلمان، واعتبرها مجرد حبر على الورق. واستشهد بارتفاع أسعار الدولار. وقال (من غير مكابرة حياتنا أصبحت صعبة ،وحلة الملاح هزمت كل البيوت). ويرى الخبير الاقتصادي "حسن السنوسي" في حديثه لـ(المجهر) أن إعادة هيكلة دعم السلع الإستراتيجية هو اتجاه صحيح لإعادة توازن الاقتصاد، واعتبر أن دعم السلع فيه ظلم للشرائح الفقيرة ،باعتبار أن المحروقات لا يستهلكها كل المواطنين، أيضاً الكهرباء لا تغطي كل السودان ،فقط تغطي حوالي (40%) من البلاد.
وقال إن رفع الدعم ربما جاء بعد دراسة شاملة ،وبين أن هنالك خيارين إما باستمرار الحكومة في دعم كل المستهلكين فقراء كان أم أم أغنياء، أو أن تخصص الدعم لشرائح الفقيرة، بابتكار نظام مثل البطاقات التموينية ،التي يستهدف من خلالها الشرائح الضعيفة فقط،  خاصة وأن بالسودان حوالي (46%) من الفقراء.
وسبق أن كشفت دراسة لصندوق النقد الدولي عن آثار رفع الدعم بالسودان،  بأن كل (23) جنيهاً تقدمها الحكومة كدعم للمحروقات يذهب (22) جنيهاً منها لغير مستحقيها، فيما يرى اقتصاديون أنه لا وجود دعم للسلع أصلاً، بعد سياسة التحرير التي أعلنتها الحكومة في تسعينيات القرن الماضي، ورهن "السنوسي" مسألة رفع الدعم عن الوقود من عدمه بمدى مقدرة الحكومة على خلق توازن، بين قدرتها على الحفاظ وتعزيز المستوى للمواطن، بما يضمن تناغم السياسات الاقتصادية.
وأعرب خبراء عن تشاؤمهم ،وقالوا إن إلغاء الدعم لن يحل مشكلة وسترتفع الأسعار أكثر فأكثر، وتساءلوا أين ذهبت الإيرادات من رفع الدعم الجزئي السابق عن المحروقات. وقالوا بأنه لم يوظف في الزراعة،  أو في رفع  الاعباء عن كاهل المواطن، وإذا كان رفع الدعم الجزئي لم تظهر نتائجه جلية للعامة حتى الآن، إذن لماذا تذهب الحكومة مجدداً في ذات الاتجاه. واعتبروا القرار خاطئاً ،ودواءً علقماً لعلاج التحديات الاقتصادية الماثلة.
في المقابل يرى الخبير الاقتصادي د."عز الدين إبراهيم" في حديثه لـ(المجهر) أن الوقت الآن مناسب لتحرير الأسعار ورفع الدعم عنه، باعتبار أن هذه السلع انخفضت أسعارها عالمياً فالقمح بنسبة (50%) والبترول انخفض بواقع (60%). وطالب في ذات الوقت أن يحدث تدخل من قبل الدولة لإدارة هذه السلع ، والحفاظ عليها في الحد الأدنى والأعلى ،حتى لا يحدث انفلات في الأسعار،  لاحقاً.
ويرى أن حدوث تحرير في هذه السلع قد يؤدي إلى وفرتها، ووصف ما سيحدث، بالدواء المر. وقال (وداويني بالتي هي الداء). وقال إذا حدث ارتفاع في الأسعار ،فبالتأكيد سيحدث انكماش في الشراء ، وبالتالي سيؤدي إلى تدني السعر، ويرى "إبراهيم" بأنه لا يوجد دعم  للبترول والقمح، بالصفة التي تستدعي التخوف من رفعها، ويرى فيما يتعلق بالكهرباء أن جزءاً كبيراً منه يذهب للفرنست وهو مدعوم دعماً كاملاً، فيما تذهب استعمالات الكهرباء إلى أغراض عدة. وأضاف لا يمكن أن تدعم الدولة الكهرباء،  وتستفيد منها شركات الإعلانات وصالات الأفراح. وقال إن حجم السكان قد زاد بكمية كبيرة ،مؤخراً ،مما أدى إلى زيادة الاستهلاك.
نجدة بشارة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وزير المالية السوداني يتوجه لواشنطن

توجه وزير المالية، د. إبراهيم أحمد البدوي، إلى مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في الاجتماعات السنوية لمجلس محاف...