الخميس، 10 ديسمبر 2015

اليوم العالمي لمكافحة الفساد محاولات الانعتاق من نير الخروج على النظم




احتفل العالم أمس، باليوم العالمي لمكافحة الفساد، وفي مثل هذا اليوم وقبل 11 عاماً قامت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتصديق عليها في المكسيك، وتم اعتماد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة راعياً لهذه الاتفاقية. ويعمل المكتب منذ ذلك الحين مع الدول الأعضاء لتبني التدابير التي تنص عليها الاتفاقية، وتعزيز تشريعاتها الوطنية والعمل على توافق الآراء وبناء القدرات الوطنية الرامية على مكافحة الفساد طبقاً لنصوص الاتفاقية.
الآن أصبحت اتفاقية مكافحة الفساد الاتفاقية الملزمة قانوناً والأكثر صلة بأعمال التصدي، وصارت تمثل حجر الأساس العالمي لمكافحة ومنع الفساد في شتى أرجاء العالم. خاصة، وأنّ المجتمع الدولي اتخذ الكثير من الخطوات الملموسة، وحقّق الكثير منذ ذلك الحين، إلا أنّه ما زال يتعين القيام بالمزيد.
وفي الخرطوم نشطت مجموعة منظمات مع منظمة الأمم المتحدة الإنمائية وجامعة الخرطوم للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد متخذة من الشعار العالمي لهذا العام "حطموا سلسلة الفساد" منصة انطلاق للعبور نحو وطن يغادر المحطات الأخيرة على مؤشرات التصنيف العالمية لانتشار الفساد.
ذيلية القائمة
الفساد ظاهرة عالمية توجد في جميع دول العالم ولا توجد أي دولة خالية من الفساد بنسبة 100% بحسب تقارير منظمة الشفافية العالمية إذ أن أعلى الدرجات أحرزتها مجموعة دول بينها الدنمارك ونيوسلندا ولكسمبورغ وكندا واستراليا وهولندا وسويسرا والنرويج التي سجلت ما بين 80 إلى 89 درجة على مقياس المنظمة بينما تذيل السودان قائمة الدول على مدى السنوات الأربع الماضية وجاء ترتيبه الدولة رقم 174 من جملة 177 دولة وأحرز 11 درجة فقط ليحتل المركز الثالث قبل الأخير عالمياً والثاني قبل الأخير عربياً حسب آخر تقرير لمنظمة الشفافية الأمر الذي يضع السودان في محك غريب وتحدٍّ كبير فقط لكبح جماح الفساد الذي تمدد بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية.
الفساد سوسة مفاصل الدولة
الخبراء يعرفون الفساد بأنه الخروج عن النظم الإدارية والمالية ويصنفونه إلى قسمين أحدهما الفساد الاقتصادي المالي والآخر الفساد السياسي الإداري، وتشير أستاذة القانون بجامعة الخرطوم ابتسام سنهوري الريح إلى أن الفساد السياسي الإداري يشمل تغول السلطة والانفراد بها واستغلال النفوذ أو المنصب أو الوظيفة لتحقيق مكاسب سياسية بإقصاء الآخرين واحتكار القرار واتباع وسائل غير مشروعة ومخالفة للقانون وقواعد العرف والأخلاق من محاباة ومحسوبية وعصبية. وترمز ابتسام لتمزج ذلك فى السودان باتباع سياسة التمكين التي أقرتها الدولة ورتبت الكثير من الإخفاقات على الخدمة المدنية وساهمت في انهيارها وترهلها مؤكدة أن هذا النوع من الفساد تتمدد آثاره داخل المجتمع بأفراده وجماعاته بسبب عدم التقيد بمبادئ الحكم الرشيد وعدم العدالة في توزيع السلطة والانفراد بالقرار لتوظيف الاقتصاد لمآرب السلطة بما ينعكس عليها دون أن يحقق فائدة للمجتمع ككل.
فيما تشير ابتسام إلى أن الفساد الاقتصادي هو الأخطر بكل أنواعه المتمثلة في استغلال الوظيفة أو الموقع أو النفوذ للحصول على أو تحويل او تمرير أو احتكار إدارة المال لتحقيق منافع ومكاسب اقتصادية شخصية للنفس بطرق تتفاوت ما بين وضع اليد على المال العام أو تبديده او حبسه أو تحويله للصرف في غير الجهة التي خصص لها.
مخالفة مقاصد الشريعة
الحديث عن الفساد عالمياً ومحلياً أصّل له أستاذ العلوم السياسية البروفيسور الطيب زين العابدين عندما قال: "ما توصلت إليه من خلال بحوث عميقة أن كل جرائم المال العام التي يجرمها القانون يجرمها الفقه الإسلامي خاصة وأن واحدة من مقاصد الشريعة الخمسة حفظ المال العام". ويشير خلال حديثه إلى أن الإسلام تحدث عن حرمة سرقة الأموال من بيت المال أو من الغنائم أو من الزكاة باعتبار أن هذه كانت موارد الدولة الإسلامية ويجرم كل أنواع الاعتداء على المال العام ويعتبرها جريمة خطيرة لأنه يؤثر على حياة كل الناس.
حرمة التجنيب
وربما كان البروفيسور الطيب أكثر تفصيلا عندما أثبت من خلال التعريف أن التجنيب يعتبر نوعاً من الفساد الاقتصادي فهو يستند على التعريف العالمي الذي يعرف الفساد بأنه مخالفة النظم الإدارية والمالية، ويشير إلى أن أكثر أنواع الفساد وضوحاً وفق هذا التعريف هو التجنيب ويوضح أنه رغم فداحة جرم التجنيب إلا أنه لم ينص عليه كجريمة في القانون الجنائي لسنة 1991م واستعيض عن ذلك باللوائح. غير أن زين العابدين يوضح حقيقة اخرى مهمة عندما يشير إلى أن اللوائح لا تنفذ من واقع أن الجهاز التنفيذي الذي يقر هذه اللوائح ويعمل بها هو الذي يقر التجنيب ويدعو له ويعتبره لا يمثل جرماً يعاقب عليه القانون، قبل أن يدعو لأهمية تضمين مادة في القانون الجنائي تعتبر التجنيب جريمة وتضع لها عقوبة مباشرة ورادعة.
أسباب الفساد
ويشير الطيب زين العابدين إلى أن أسباب الفساد في السودان كثيرة جداً غير أن أهمها ضعف الممارسة الديمقراطية، وقضاء المسؤولين فترة زمنية طويلة في موقع واحد فضلاً عن انتشار الفقر وضعف الرواتب وضعف الجهاز القضائي وعدم استقلاليته وحجب المعلومات عن الرأي العام إضافة لضعف الوازع الديني بالإضافة إلى الاستبداد في المؤسسات مستشهداً بقضية ضابط الشرطة الذي قدم مذكرة لرئيس الجمهورية حول ممارسات فساد ليكون جزاؤه الرفت والسجن بعد أن أخضع لمحاكمة عبر قانون الشرطة.
التحدي الكبير
ورغم أن الحكومة دائماً ما تقلل من انتشار الفساد في مؤسسات الدولة إلا أن أستاذ القانون بجامعة الخرطوم أحمد عبد القادر نثر ملحاً على الجرح عندما قال في حديثه "إن تسارع وتنامي الفساد في السودان أصبح أكبر من قدرات الأجهزة العدلية وأجهزة تطبيق القانون"، مشيراً إلى أن الفساد ينمو ويتجذر عبر السياسات الخاطئة والتطبيق الخاطئ للسياسات الصحيحة والخاطئة معاً فضلاً عن ضعف فعالية الأجهزة الرقابية وضعف نظام العدالة الإجرائية لافتاً إلى أن الفساد في السودان أصبح ظاهرة بائنة للعيان ومثبتة في مضابط الشرطة والنيابات معتبراً محاربة الفساد الآن تمثل تحدياً كبيراً للنظام القائم ولأجهزة تطبيق القانون داعياً لأهمية تشريع قوانين صارمة تسري بأثر رجعي وتلغى فيها الحصانات على أن يراعى عدم سقوط قضايا الفساد بالتقادم، وقال: "لابد من إعطاء مفوضية الفساد المزمع إنشاؤها آليات رقابية حقيقية لتطبيق القانون".
الطريق إلى بيت المرفعين
الحديث عن القوانين ومدى فاعليتها عبر عنه رئيس المعارضة في البرلمان السابق القيادي بالمؤتمر الشعبي د. إسماعيل حسين الذي اعتبر ان القوانين القائمة كافية جدًا لمكافحة الفساد غير أنه اشترط فاعليتها بإرادة سياسية تعمل على تطبيق القانون. وقال: "يجب أن نقيم دولة القانون، لأن القوانين التي لدينا تستطيع مكافحة الفساد ولكنها لا تطبق ولذا يجب أن نطبق القوانين السارية أولاً وإن ثبت وجود ثغرات فيها من خلال الممارسة نعمل على سد الثغرات عندئذٍ" مشيراً إلى أن الفساد تحول لشبكات وأصبح يتمدد أفقياً ورأسيا لأن كل فاسد يحاول جر آخرين معه ليستقوي بهم لتغطية الفساد، وقال "الآن عندما تتبع أي أثر للفساد يا دخل الموية يا وداك بيت المرفعين". ضارباً المثل بعدم معرفة السلطات للجهات التي تصدر للسودان الحاويات المليئة بالمخدرات. وقال: "في كل موانئ الدنيا فإن أي بضاعة تصل يكون معروف من أين جاءت من أي ميناء في العالم شحن ومن الذي قام بشحنها ومن الذي سيقوم بتخليصها".
دعوة للشفافية
نائب المراجع القومي د. محمد الحافظ أقر في حديثه أمس بوجود الفساد بالبلاد ودعا الدولة الدولة بتبني استراتيجية قوية وفاعلة لمكافحة الفساد وإنشاء هيئة مستقلة للمكافحة وفق المعايير الدولية ومنحها التفويض القانوني الكامل لمحاربة الفساد بجانب إعطاء دور فاعل للإعلام والحرية في تناول قضايا الفساد اعلامياً فضلا عن تبني وتفعيل القوانين السارية وزيادة التنسيق بينها وإعادة صياغة القوانين واللوائح بالخدمة العامة والتطبيق الصارم والرادع للقانون تجاه حالات الفساد التي يتم كشفها.
محجوب عثمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وزير المالية السوداني يتوجه لواشنطن

توجه وزير المالية، د. إبراهيم أحمد البدوي، إلى مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في الاجتماعات السنوية لمجلس محاف...