الأحد، 17 أبريل 2016

النفط ومآلات الانخفاض العالمية..



يشغل سؤال: الى أين تتجه أسعار النفط في العالم في العام الحالي 2016م أذهان الاقتصاديين، والمؤسسات المالية العالمية، لأن النفط الخام يُعد من أصعب الأسواق على التنبؤ، وهناك كثيراً من العوامل المتقاطعة والمتضاربة التي تتحكم وتؤثر في سعره، كالعرض، والطلب، واتجاهات الاقتصاد العالمي، والسياسة الدولية، والنقدية والتنظيمية العالمية، وللإجابة عن ذلك السؤال، ينبغي أن نفهم تلك العوامل الأساسية والتي من أهمها آليات الأسواق، عبر العرض والطلب، والمخزونات النفطية التجارية التي تحتفظ بها الشركات العالمية لمواجهة الطوارئ، وكذلك المخزونات الإستراتيجية، ثم عدد آخر من العوامل قصيرة الأجل التي ترتبط بالأسعار ومدى استقرارها، كالاضطرابات الجيوسياسية والأمنية التي تسود الشرق الأوسط، ثم المضاربات التي يتربح منها خبراء البورصات العالمية بأسلوب المراهنة على أسعار النفط، بيعاً وشراءً. فارتفاع أسعار النفط ليس في صالح المستهلكين، لأنه يرفع تكلفة الإنتاج، وبالتالي تزيد معدلات التضخم. فارتفاع الأسعار يحقق مصالح المنتجين والعكس صحيح. فانخفاض أسعار النفط يحقق مصالح المستهلكين، حيث تنخفض تكلفة الإنتاج والمعيشة، وتقل معدلات التضخم. وللحديث عن توقعات اتجاهات الأسعار خلال العام 2016م، لابد من التعرض لأهم العوامل الرئيسة التي تؤثر على أسعار النفط في الوقت الراهن.
ويأتي رفع الحظر الأمريكي عن تصدير النفط في مقدمة العوامل المؤثرة على أسعار النفط في الوقت الحالي، فمنذ أن وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة برفع الحظر المفروض منذ 40 عاماً على صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام،زادت المخاوف من استمرار إمدادات النفط الأمريكية،لأنه وحسب قراءات الاقتصاديين فإن ذلك من شأنه أن يشكل خطراً لمزيد من الهبوط للأسعار خلال الفترات القادمة، كذلك فإن سياسة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، تلعب الدور الأهم في تحديد سعر النفط الخام، لأن الدول الأعضاء لن تسعى إلى تخفيض إنتاج النفط لكي تدعم الأسعار، كما أقرت بذلك، بل أنها تعتمد على ارتفاع الطلب العالمي للنفط، والذي سوف يدعم الأسعار، ومشكلة منظمة الأوبك الأساسية وخاصة الدول الأكثر تصديراً للنفط الخام في العالم، إنه ليست في مصلحتها تخفيض الإنتاج اليومي، وذلك لحماية حصتها السوقية، وأنها قد أعدت العدة للتعامل مع الأسعار المنخفضة لفترة طويلة، وعامل الركود العالمي وتراجع الطلب بدوره يمثل عقبة أخرى في سبيل تعافي أسعار النفط، حيث لازالت المخاوف مستمرة بشأن ضعف صحة الاقتصاد العالمي، حيث أن وفرة الإمدادات العالمية قد تبقى عند مستويات لفترة أطول مما كان متوقعاً،في وقت تتوقع فيه وكالة الطاقة العالمية أن يتراجع نمو الطلب العالمي على النفط، وتأتي توقعات تراجع الطلب العالمي على النفط في ضوء دخول الاقتصاديات النامية وبعض الاقتصاديات الناشئة دائرة الركود، وخاصة في الصين التي هي المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي والذي أثر بشكل مباشر على أسعار النفط، ثم وبما أن النفط الخام مسعر بالدولار، فبلا شك أن قوة الدولار الأمريكي تؤثر سلبياً على أسعار النفط وذلك بحكم الارتباط العكسي الذي يربط الدولار بأسعار النفط، حيث أن عامل الدولار ورفع أسعار الفائدة الأمريكية يجعل أسعار النفط تواجه تحديات جمة لقوة الدولار الأمريكي، فمتغير السياسة النقدية الأمريكية يعزز قوة الدولار، ويجعل العقود المستقبلية للنفط المقومة بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين الذين يتداولون عملات أخرى. وتمثل عودة إيران للأسواق النفطية معضلة أخرى في شأن أسعار النفط، فتوقيع الاتفاق النووي الإيراني الذي من شأنه إزالة العقوبات الاقتصادية عن إيران، يرفع من الإنتاج الإيراني الذي كان قد هبط من 4 ملايين برميل يومياً إلى حوالي مليون برميل يومياً بعد العقوبات، فزيادة إيران لإنتاجها سوف يؤدي إلى زيادة في الإنتاج العالمي، وبالتالي ستنعكس على أسعار النفط بالانخفاض، وكذا الحال بالنسبة للعراق. فحسب التقرير الذي نشرته (رويترز)، فمن المحتمل أن يزيد العراق إنتاجه من النفط في 2016، ما سيجعل معركة الحصص السوقية تحتدم بين دول أوبك ومنافسيهم من خارج المنظمة، وهي المعركة التي اضطرت بغداد إلى البيع بسعر متدنٍ في أوروبا في فترات سابقة من نهايات العام الماضي، إضافة لذلك فإن ارتفاع المخزونات التجارية وكميات النفط العائمة في البحار، وهي شحنات اشتراها أصحابها على أمل أن ترتفع الأسعار، ولكن الأسعار لم ترتفع، بل واصلت الانهيار، وسيضطر أصحاب هذه الشحنات لبيعها بأي سعر ممكن خلال العام 2016 للتخلص من كلف الشحن اليومية، مما يزيد من معدلات الانخفاض المتوقع لأسعار النفط خلال العام الجاري، ثم إن عامل التدخل الأمريكي أيضاً يؤثر بصورة مباشرة، حيث إن انهيار الأسعار يؤدي إلى عدم جدوى الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، ومن ثم خفض الإنتاج نظراً لتضرر مشاريع وأنشطة الحفر بسبب هبوط الأسعار،لأن تصدير النفط الصخري سيزيد من الضغوط على أسعار النفط خلال الفترة المقبلة وربما يدفعه إلى الانخفاض أكثر.
وتمثل الظروف الأمنية المحيطة والعوامل الجيوسياسية اللاعب الأكبر في إبقاء الدول النفطية على نفس سياسة الإنتاج، ففي حالة انقطاع الإمدادات من المناطق غير المستقرة سياسياً التي تعاني مشاكل جيوسياسية، كالعراق وروسيا وليبيا، فمن المرجح ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة، وكذلك إيران فبعد أن توصلت لاتفاق حول برنامجها النووي ورفع العقوبات الدولية عنها، يعني عودة إمداداتها النفطية بشكل كامل ومن ثم الضغط على أسعار النفط نحو المزيد من الهبوط، هذا بالإضافة لاحتمالات تسوية القضية الليبية وعودة إنتاج النفط الليبي الذي انخفض بسبب الأحداث السياسية التي تبذل الجهود من أجل تسويتها، وفي حال تم ذلك، فإن الأسعار النفطية العالمية مهددة بالمزيد من الانخفاض بسبب أن ليبيا إحدى أكبر المصدرين للنفط، وستعود مضخاتها للإنتاج وبالتالي يغرق السوق العالمي عرضاً دونما طلب يوازيه، وبالتالي توالي انهيار الأسعار، فكل تلك العوامل أثرت سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على السوق النفطية، وهي تهدد وتدعم بصورة كبيرة اتجاهات استمرار الهبوط لأسعار النفط خلال العام 2016، ومن المتوقع استمرار انخفاض الأسعار على المديين المتوسط والقريب، طالما استمرت دول الأوبك في اتباع سياسة رفع الإنتاج للحفاظ على حصتها الإنتاجية في الأسواق العالمية .
منال عبدالله عبدالمحمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وزير المالية السوداني يتوجه لواشنطن

توجه وزير المالية، د. إبراهيم أحمد البدوي، إلى مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في الاجتماعات السنوية لمجلس محاف...