شهد قطاع النسيج تدهوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة خاصة بعد تقلص مساحات القطن المزروعة بمشروع الجزيرة إلى (82) ألف فدان في العام 2011م، و(139) ألف فدان للعام 2014م، طبقاً للتقارير السنوية لبنك السودان، وأدى التدهور لإغلاق عدد من المصانع بالبلاد وتصفيتها وتغيير غرضها، بجانب الأسعار المنخفضة للمنتج المستورد، وساهم ذلك في خروج مصانع كبيرة من دائرة المنافسة، والاستغناء عن الأيدي العاملة، ويواجه القطاع العديد من التحديات والعقبات، أبرزها التكلفة العالية لمدخلات الإنتاج، وعدم توفر النقد الأجنبي بجانب إلغاء الاعتمادات البنكية، ووصف مختصون السياسات التي تتبعها السلطات بالخاطئة واتهموها بشل القطاع، (آخر لحظة) التقت بالجهات المعنية فإلى ما جاء بالمساحة التالية:
تحقيق: معاوية عبد الرازق- نفيسة الطيار
إحصائيات:
كشفت دراسة أجراها اتحاد الغرف الصناعية السوداني في العام 2013 عن خروج (9) شركات عن دائرة الإنتاج بصورة نهائية، وهي (غزل البحر الأحمر وينتج 2100 طن في العام، وتم تحويله لخردة، شركة نسيج النيل الأزرق ينتج 2100 طن تمت تصفيتها، شركة الخرطوم للغزل والنسيج وتنتج 4050 طناً في العام وتم تغيير غرضها، شركة نسيج ودمدني نتنج حوالي 2100 طن وأيضاً تمت تصفيتها، النيل للغزل ببورتسودان ويعادل إنتاجه 14100 طن أيضاً تمت تصفيتها، الغزل الرفيع 1800 طن وتم تغيير غرضه بعد التصفية، غزل قدو ويعادل إنتاجه 1800 طن ولم يتم تركيبه، أما شركة جميرا بلغ إنتاجها 14400 طن وتمت تصفيتها، وتمت تصفية غزل سنار وكان يعادل إنتاجه 2100 طن، ليصبح مجموع إنتاج المصانع التي خرجت في العام 31590 طناً في العام).
وبحسب التقارير السنوية لبنك السودان في العام2013) -2014(م تقلصت المساحات المزروعة بالقطن إلى 193 ألف فدان بإنتاجية تبلغ 162 ألف بالة، وقد وصلت أعلى درجاتها في العام 1996-1997م إلى (644) ألف فدان، بإنتاجية (527) ألف بالة.
مشاكل بالجملة:
يقول نائب مدير بأحد مصانع النسيج، إن مشاكل الصناعة كثيرة متمثلة في التكلفة العالية للإنتاج، والتي لا تتواكب مع السوق باعتبار أن المصنوعات المستوردة أقل سعراً من المحلي، وأقل جودةً، بجانب ارتفاع أسعار المواد الخام والنقد الأجنبي، ومعظم المصانع لديها شراكات مع جهات أخرى تعمل على تصنيع طلبيات لها، حيث نقوم بتصنيع كافة أنواع القماش من زي مدرسي، وهو موسمي ويعتمد على السوق، أما الرسمي بمختلف أنواعه يكون وفقاً لعطاءات، والطلبات بالسوق العام ضعيفة جداً لارتفاع تكلفة الأقمشة وتفصيلها مقارنة بالملابس الجاهزة، وأردف: السوق الحالي لا يغطي التكلفة التشغيلية للمصنع، الأمر الذي أدى لتقليص العمالة من (150 – 80)، ولا يوجد برنامج عمل واضح لاستيراد الغزول بكميات كبيرة، ونكتفي فقط بالعمل بصورة ضئيلة ريثما تحضر الطلبيات، وفي تلك الحالة تضطر المصانع لتضييق هامش الربح لمجاراة السوق، وبالتأكيد تؤثر هذه السياسة على الاستمرارية. واعتبر نائب المدير أن الفشل في توفير النقد الأجنبي والسياسات الخاطئة خاصة بالمحليات، فهي تطاردنا بدفع جبايات تحت عدد من المسميات دون تقديم خدمات مقابلها، فضلاً عن عدم فتح الاعتمادات ودعم مصانع الغزل، قصم ظهر صناعة النسيج بالبلاد، حيث تحولت معظم المصانع لمخازن وتوقفت عدد من الماكينات بالمصانع لعدم الحاجة لبعضها.
قرار شخصي:
كشف المدير عن وجود إشكالية متمثلة في شراكة مصانع النسيج، وإن قللت نوعاً ما الخلافات الإدارية، ولكنها تخضع لقرار شخص واحد دون إعطاء الموظفين والعمال اي اعتبار، وإن الأمر بالنسبة لهم (ربح وخسارة)، وهذا مايعيب القطاع الخاص.
إغلاق وتسريح:
أغلقنا أبواب المصنع وسرحنا العاملين لعدم توفر الخام، هكذا بدأ مسؤول بمصنع نسيج بالخرطوم بحري حديثه، مواصلاً بجانب أن إلغاء الاعتمادات البنكية والسوق الأسود يوقع ضرراً وخسارة كبيرة، وبالتالي لا مفر أمامنا سوى الإغلاق، فالحظر الاقتصادي أحجم التعامل مع البنوك السودانية، مما يتطلب تدخل وسيط وهي تكلفة إضافية، لذلك لا بد من تغيير السياسات الحكومية التي شلت قطاع النسيج لعدم ثباتها وتغييرها بين حين والآخر، ويضيف المسؤول قطوعات الكهرباء من المشاكل الأساسية، وبالطبع لا تمتلك المصانع سيولة لاستيراد الوقود خاصة المتوسط إنتاجها، ورهن انتعاش الصناعة بتوفير المواد الخام وفتح الاعتمادات البنكية، وأعاب على مصنع سور للغزول تغطيته لمجموعته فقط، بينما تفشل المصانع الأخرى في الحصول على الغزول محلياً أو من الخارج.
تشريد العمال:
قال الموظف بمصنع الصداقة للمنسوجات بالحصاحيصا سابقاً عمر حمد النيل إنه عمل بالصنع منذ العام 1990 – 2005م وكان يستوعب (1120) عاملاً من مختلف قرى الجزيرة، وينتج (الدمورية، الدبلان، شاش طبي، بولستر، تيتل، خيوط، أقمشة ملونة)، ويعمل بثلاث ورديات دون توقف، واستنكر عمر السياسات التي تم اتخاذها مؤخراً في مطلع الألفية الثانية، والقاضية بنقل القطن من مشروع الجزيرة إلى بورتسودان وإحضاره مرة أخرى للمصنع، رغم أنه يقع بمشروع الجزيرة وزاد هذا الإجراء من تكلفة الترحيل.
إلغاء وظائف:
أشار الموظف بمصنع الصداقة إلى توقف الرواتب منذ العام 2000م، بعد تدهور المصنع ورفع وزير الدولة الأسبق بوزارة الصناعة مذكرة للرئاسة بإلغاء وظائف العاملين، وبالفعل أصدر رئيس الجمهورية المشير عمر البشير قراراً بإلغاء (1120) وظيفة في أغسطس من العام 2005م وتمت إحالتهم للمعاش، وحتى الآن لم تنفذ تلك الجهات قرار رئاسة الجمهورية بمنح المفصولين حقوقهم.
الجدير بالذكر أن المصنع عاود العمل بشراكة مع جهات أخرى، ولكن لم يتم استيعاب أي من العمالة السابقة.
مبادرة:
أشار عميد كلية النسيج بجامعة الجزيرة سابقاً د. كمال مبارك الجاك إلى إشكاليات عديدة تواجه الصناعة، أبرزها المادة الخام وجودتها، بجانب المشاكل المتعلقة بظروف القطاع الخاص، وكل هذا تحت مسمى البيئة المشجعة للعمل، وإذا لم تتوفر ستحدث مشكلة جبايات وضرائب، ولا ننسى إلغاء فترة السماح، وهي متعلقة بالتمويل والآن المصانع تدفع مقدماً لشراء مدخلات الإنتاج، وأعلن عن مبادرة تقودها جامعة الجزيرة للنهوض بقطاع النسيج من العام الحالي حتى 2025م، والفكرة تهدف لوجود مجلس أعلى على مستوى الرئاسة لتكثيف كافة الجهود.
حلول:
رهن الجاك الحلول لإنعاش الصناعة بتوجه الدولة لإقامة مصانع بشراكات مع جهات أخرى كمصنع سور، وإدخال مصانع (كوستي، الحاج عبد الله، الدويم، شندي)، وهي مملوكة لوزارة الصناعة تحت مظلة الشراكة.
مسؤولية الحكومة:
وأرجع الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي التشوهات في القطاع المعني إلى التشوهات الكاملة في جسم الاقتصاد، وسبق أن نوهنا إلى الاهتمام بالعملية الإنتاجية، واتهم الرمادي السلطات بإهمال المصانع والمزارع، الأمر الذي أدى لتوقف عدد كبير من المصانع، وولد ذلك أضراراً إضافية على الاقتصاد بعد تسريح الأيدي العاملة، وأصبحت أعداد كبيرة من الأسر بلا دخل، وزاد من دائرة الفقر ورفع معدلات البطالة، وحرم الاقتصاد من منتجات تلك المصانع، وتغطية كثير من احتياجات المواطن، فضلاً عن توفير عملات أجنبية، ولا ننسى دعم صادرات البلاد، وكل هذه الحلقة تدعم ميزان المدفوعات، وتأسف على ترهل الاقتصاد، وعجز البنوك أمام فتح الاعتمادات البنكية، معيباً على السياسات التي وصفها بغير الراشدة، ودعا لإنقاذ قطاع النسيج والاهتمام به.
تأثير مباشر:
نوه د.كمال إلى تأثير زراعة القطن على حجم الإنتاج، وهناك تطمينات من هيئة البحوث بحل الإشكاليات المتعلقة بزراعة القطن، خاصة في ظل وجود القطن المحور، والذي ينتج من (8-10) أفدنة، بجانب تقليله لتكلفة استخدام المبيدات.
خامات متوفرة:
قطع الباحث بهيئة البحوث الزراعية د.عبد الرحمن بتوفر جميع خامات القطن، وإنتاج الطبقات من الغزل حتى الدمورية، واستطاعت الهيئة توفير المجموعات الغزلية، وواجهتنا إشكاليات في السنوات الماضية منها تذبذب الإنتاجية وسوء الإعداد، وتم حل إشكالية العسلة التي تتسبب بها بعض الحشرات، وردد: دخول القطاع الخاص مهم كداعم لعملية إنتاج القطن باعتبار دخوله في شراكات مع المنتجين، وتوقع الباحث مستقبلاً زاهراً لصناعة النسيج بالبلاد.
لا حياة لمن تنادي:
ويضيف نائب رئيس غرفة الغزل والنسيج باتحاد الغرف الصناعية د. الفاتح عباس أن الغرض الأساسي من العملية هي سلاسة القيمة المضافة، والملاحظ أن البرنامج الخماسي يركز على القطن، والمعلوم أن الغزل يرتبط بإنتاج القطن، وعندما تنتج الغزول يتحرك قطاع النسيج، ومن ثم التجهيز والتريكو، واقترحنا زراعة 500 ألف فدان من القطن، والطاقة المتاحة هي 17 ألف طن وهي المصانع العاملة.
كما اقترحنا زيادة مساحات الزراعة القليلة بـأكثر من 800 ألف فدان تستهدف في المراحل الأولى 500 ألف لرفع الإنتاجية إلى (12) قنطاراً للفدان بدلاً عن 6 و7، وتحويل القطن لغزول لنصل إلى 17 ألف طن بالتدرج خلال سنوات، واستهدفنا تصدير 60% من الإنتاج و40% للغزل والتريكو، والآن رغم أننا رفعنا المقترحات وأوراقاً ما تزال المصانع العاملة تستورد الغزل من الخارج، باعتبار أن تقلص المساحات مع تدني الإنتاجية له دور كبير في الوصول بالقطاع لهذه المراحل.
مراحل عديدة:
أوضح نائب رئيس غرفة النسيج أن إنتاج القطن يمر بـ(18) مرحلة أساسية حتى يصل لصناعة الملابس الجاهزة واللحوم، فيبدأ من تحضيرات وتجهيزات الزراعة، مروراً بالحصاد والحلج، وهذه المرحلة تقسم الإنتاجية إلى نوعين، الأولى تتفرع منها الشعرة التي تستخرج منها الغزول، ليفرز التريكو والنسيج مروراً بمراحل التجهيز، الصباغة والطباعة والتبييض، انتهاءً بصناعة الملابس الجاهزة، ومرحلة الغزل تعتبر مفصلية إذا لم يتم إنتاجه يلغى ما بعده بشكل مباشر، أما النوع الثاني الذي يتفرع من الحلج هو البذرة، وتذهب إلى المعاصر لتستخرج منها الأعلاف التي يستفاد منها في تربية المواشي والدواجن، وبالتالي ينتجان الألبان واللحوم.
ورهن عباس نجاح القطاع بتعديل السياسات الخاصة بالعملية الزراعية والصناعية والاستقرار، بالإضافة لتحرير السوق المحلي ومكافحة الاحتكار وتنظيم الأسواق.
صناعة الغزل والنسيج (جار عليها الزمن)، انطفأ بريقها، لم تعد كما كانت (ياما هنا ياما هناك) بعد أن كانت وإلى وقت غير قصير صناعة يضرب بها المثل (لها شنة ورنة)، اختطفت على يد أهل الثقة من - معدومي - الخبرة والكفاءة، الذين رسا عليهم عطاء إدارتها، فلم تسلم من العبث والتخريب، وأصبح حالها يصعب على الكافر.
ومع امتداد الإدارات - غير الأمينة - وتجاهل عمليات الإحلال والتجديد على مدى أكثر من ثلاثة عقود، تعرضت لكثير من الهزات والنكبات، وأصابها ما أصاب غيرها من الصناعات، لتتحول من صناعة إستراتيجية إلى شيء آخر يحمل الاسم فقط.
وبعد أن (مال حالها) وضربها الكساد، لم تعد قادرة على المنافسة، أو حماية نفسها من غدر الأيام، وبدلاً من الإصلاح تم تفريق دمها بين الشركات (وكل من هب ودب) من المستثمرين باسم (الخصخصة)، وحتى عمليات بيع بعض شركاتها لم تفلح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فساء حالها أكثر وأكثر، وأصبحت عبئاً على ميزانية الدولة، والعمالة بها التي كانت (خلية نحل) ومصدر قوتها، أصبحت بفعل التخريب المتعمد، طاقة عاطلة تتسول مرتباتها، وتنتظر منحة الرئيس في الأول من مايو من كل عام (إييييييييه دنيا).