الخرطوم: علي البصيرــ محمد جعفر
بدأ مشروع جمعية ود رملي الزراعية مرحلة الانتقال من مرحلة
الموت السريري إلى مأساة تخرج أكثر من «1200» أسرة مزارع من دائرة الإنتاج الى الفقر
والتشريد، بعد ان عجزت أراضيهم عن مقاومة العطش المفروض عليهم، وهي قصة معاناة
تداخلت فصولها ما بين إدارة المشروع وملاك الأراضي وأضابير المحاكم والنيابات، حيث
يرى الكثير من المزارعين ان هناك أياد خفية وأخرى ظاهرة تعمل على تفتيت المشروع من
أجل مطامع شخصية وسطوة محمية بنفوذ سلطانية. «الإنتباهة» وقفت على المشروع ومآلاته
وحاضره وماضيه ومستقبله المظلم ما لم تتحرك الدولة لإنقاذه. كما دونت «الإنتباهة»
افادات مهمة وصرخات عالية لمزارعي المشروع، وإفادات أخرى لمدير المشروع الذي
استخلصنا افاداته من وراء الترعة وهي قصة سنسرد تفاصيلها عبر حلقتنا الأولى من هذا
الملف.
ود رملي تتحدث
على بعد حوالي «60» كيلو متراً
شمال الخرطوم يقع مشروع ود رملي الزراعي بمحلية بحري جهة الشمال الجغرافي، حيث
بدأت ملامح المنطقة الزراعية تتراءى للعين ومن حواليها تخضر المداخل، ملامح
المواطنين هنا تشير الى إنسان اصيل يعشق مهنته وأرضه وزرعه، فمشروع ود رملي
الزراعي أحد مشروعات الجمعيات التعاونية العريقة، ينتج الأعلاف والخضروات لسد حاجة
العاصمة والولايات، حيث يمتد المشروع في مساحة أكثر من ألفي فدان، وقد حقق المشروع
نجاحات كبيرة في فترات سابقة.
مشاهد من المشروع
تبدو المشاهد هنا غريبة من حيث متفرقاتها، فالمكان هنا بالقرب
من البيارة الرئيسة مخضراً، بينما يبدو مشهد آخر على بعد حوالي كيلو متر قاحلاً
أشبه بمنطقة زراعية سيئة التوزيع والري، ومنطقة أخرى تبدو وكانها صعيداً جرزا، فلا
هي زراعية ولا بور وإنما مهجورة تبحث عن من يفلحها ويسقيها، ايضاً تظهر من بين
موقع وآخر طلمبات هنا وهناك تشفط بكل ما لديها من قوة لتسقي الزرع والضرع.
بداية الأزمة
سألنا عن هذا الواقع المرير
وتحدثنا الى عدد من مزارعي المشروع الذين ابدوا استياءهم الشديد من الإهمال وما
اسموه الظلم والتسلط، وقالوا ان وزارة الزراعة حلت ادارة المشروع واعتمدت لجنة
تسيير تتحصل مبلغ «900» جنيه رسوم الري، موضحين انهم تضرروا كثيراً لتلف محصولاتهم
وخروجهم من سوق الخضروات بسبب تعطيش حقولهم ومنع ملاك الأراضي حول البيارة من وضع
الطمي في أراضيهم والقيام بعمليات النظافة، الأمر الذي حال دون وصول المياه الى زرعهم
فكانت خسائرهم فادحة وزراعتهم فاشلة.
مع المزارعين
التقينا بعدد من المزارعين حول هذا الوضع. وقال تاج السر
محجوب: إن رأس ماله ثلاثة آلاف جنيه، زرع بها محصول البصل في مساحة «276» حوضاً،
إلا أنها احترقت بأكملها نسبة لتعرضها للعطش وفقدت المحصول، وأضاف المزارع عثمان
الوسيلة انه تعرض للعطش أكثر من أسبوع غير الفترات المتقطعة والمتكررة التي تعرضت
لها، وقال إن محاصيله «برسيم، بطاطس، طماطم وبصل» وقد فقدها بسبب العطش والعجز عن
توفير المياه، الى ذلك طالب عثمان بتدخل والي الخرطوم وفرض هيبة الدولة بحماية
«الكراكة» التي تعمل في النظافة بعد أن منعها شخص ادعى أنه فوق القانون.
من يعوضنا؟
المزارع ياسر نور الدائم تحدث
بانفعال وغضب، وتساءل «من يعوضنا عن هذه الخسائر الكبيرة التي تعرضنا لها؟»، وقال
انه فقد كل محصوله الذي زرعه على اكثر من «7» أفدنة، حيث تسبب العطش في إتلاف
محصول البرسيم.
فيما قال المزارع أحمد حامد النعيم، انه اضطر الى شراء وابور
لرفع الماء من مستنقعات حول المشروع لعملية الري، وهي اضافة تكلفة تؤثر على قيمة الانتاج
وبالتالي سعرها، والذي قد لا يتوافق مع سعر السوق مما يجعلنا مضطرين للبيع بسعر
التكلفة أي برأس المال.
من المسؤول؟
المزارع فتح الرحمن فضل السيد الحسن، وهو عضو مجلس إدراة سابق،
قال: لا توجد ادارة للجمعية ترعى حقوق المزارعين، وقد قام وزير
الزراعة بحل لجنة التسيير السابقة بعد أن كلف المدير الحالي للقيام بواجب الإشراف،
وقد قمنا بالعديد من الاتصالات بالجهات المختصة لحل تلك الاشكاليات العالقة لكن لم
نجد من يهتم بهذا الأمر، وفيما يتعلق بالضرر فان فتح الرحمن فقد نصف محصوله من
البصل وحتى لا يفقد النصف الثاني قام بشراء وابور مياه يقوم بنقله عند كل
سقية للمحصول.
إفادات خاصة
بسؤالنا عن لماذا لا تنظف الحشائش والطمي لتتمكن المياه من
الانسياب للمشروع، قال المزارع «س» ان اصحاب الأرض التي تشقها الترعة اعترضوا
أعمال مدير المشروع لشيء في نفوسهم، وان خلافات وأطماعاً جعلت هؤلاء يسيطرون على البيارة
التي تسقي المشروع، وقاموا بمنع آلية التنظيف «الكراكة» من إزالة الطمي ووضعه على
أراضيهم بحجج واهية ومخالفة للقانون ولطبيعة الأشياء، وللحق العام، زاعمين ان
الطمي يؤدي الى نقصان أراضيهم الزراعية، مما سبب توقف عمليات نظافة الترعة من
الطمي والحشائش، حيث تقع المساحة التي منع مزارعو الملك الحر من نظافتها بالقرب من
النيل مما يهدد المشروع بالفشل اذا لم تتم نظافة الترعة بأكملها.
رؤية فنية
الخبير الزراعي المهندس محمد العوض الطيب قال لـ«الإنتباهة»:
هنالك بعض المحاصيل اذا زادت فترة الري عن المدى المحدد يؤدي ذلك الى هلاك المحصول
وانعدام عائده، لافتاً الى ان هنالك بعض المحاصيل الزراعية تتضرر ضرراً كاملاً
بسبب تأخر الري وبعضها ضرراً جزئياً، وفيما يتعلق بمنع أصحاب الأراضي التي تمر
عندهم الترعة، قال: إن الترعة لها حرمها كما هي ملك عام لا يحق لأي احد الاعتراض
عليه، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها تجاه المزارعين الذين يدفعون مقابل تلك الخدمات.
إدارة الجمعية
إدارة المشروع بالجهة المقابلة لأراضي الملاك الذين يسيطرون
على المياه ويمنعون حتى نظافة الإطماء، وعندما حاولنا ان نعبر للإدارة عبر تلك الأرض
اعترضنا ابن احد الملاك، وقال ان مررتم بهنا فان ذلك يعتبر تعدياً وغير مسموح لكم
بالعبور، مما اضطرنا الى قطع مسافة طويلة سيراً على الأقدام حتى وصلنا الي مدير
المشروع المهندس محمد صالح مختار الذي أجرينا معه مقابلة من الجهة الأخرى للترعة،
وأفاد بانهم وجدوا اعتراضاً من بعض أصحاب الأراضي الزراعية لاحتجاجهم على وضع
الطمي بجنبات الترعة مما سبب في تأخر الموسم الزراعي الذي استمر لأكثر من شهر،
وقال: هنالك أكثر من «1000» مزارع تعرضت زراعتهم للعطش، مما أدى ذلك لنقص انتاجية
الموسم الشتوي، توجهنا لوزارة الزراعة نحيطها بخبر المشروع فطلبوا منا فتح بلاغات
جنائية بالشرطة إلا ان النيابة شطبت الدعوى بحجة عدم كفاية الأدلة، لافتاً إلى أنه
يتم تشغيل طلمبة ري واحدة وهي غير كافية واذا تم تشغيل الأخرى سوف تخرج المياه بجنبات
الترعة بسبب ارتفاع منسوب الطمي داخل الترعة، مشيراً الى أن أصحاب الأراضي يسقون
زراعتهم من الترعة دون دفع رسوم، مع ذلك هم السبب في تأخر نظافة الترعة، كما ناشد
عبر الصحيفة كل جهات الاختصاص بينها وزارة الزراعة الاتحادية وولاية الخرطوم لحل
هذه المشكلة التي أثرت على أسواق الخضروات والعلف خاصة ان هنالك اتفاقاً بين
الجمعية وولاية الخرطوم على توفير خضروات بأسعار مخفضة لدعم أسواق العاصمة
المركزي، واختتم باقتراح نزع الأراضي الزراعية من ملاكها وتعويضهم في مناطق أخرى
حتى لا يتعرضون للمشروع مرة أخرى، وهو متاح بالقانون للمصلحة العامة التي تقدم على
المصالح الخاصة.
أصحاب الأراضي
قمنا بالكثير من المحاولات لمقابلة أصحاب الأراضي الرافضين
نظافة الترعة بحجة أنها ستقلل من مساحة أرضهم الزراعية، ذهبنا الى منزل أحدهم ولم نجده،
وبعدها حاولنا الاتصال به أكثر من مرة ، بعد أن توصلنا إليه رفض الإدلاء باية
إفادات، وما زلنا ننتظر إجاباته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق