يحتل السودان المركز الثالث في
إنتاج الذهب في إفريقيا بحسب تصنيف البنك الدولي، وقدر تقرير أصدره البنك الدولي
العام الماضي أن إنتاج السودان من الذهب في العام 2016 بلغ (82) طناً، فيما أعلن
وزير المعادن البروفيسر هاشم علي سالم خلال تقديمه بيان الوزارة بالمجلس الوطني
“الأربعاء” عن إنتاج “50” طناً من الذهب خلال الستة أشهر
الماضية ليصل الإنتاج بنهاية العام الجاري إلى “100” ألف طن، فيما تقول تقديرات
أخرى أن الإنتاج “120” ألف طن من الذهب.
وحسب هيئة “بريستون وودز” حقق
السودان المرتبة الثالثة بعد جنوب أفريقيا وغانا بعد انخفاض إنتاج مالي من الذهب
بسبب الأزمة التي عاشتها في العام 2012م مما تسبب بخسائر كبيرة لشركات إنتاج الذهب
هناك وذكرت مواقع أن السودان ظل متقدماً في إنتاج الذهب منذ العام 2012م.
الثابت أن معدلات إنتاج الذهب
بالبلاد في تصاعد مستمر خلال السنوات المنصرمة، لكن السؤال عن مدى الاستفادة من
تلك الكميات خاصة بعد اعتراف الوزارة صراحة بتنامي ظاهرة تهريب الذهب بالرغم من
جهود الجهات المختصة للحد منها ومحاربتها، ولا شك أن جريمة التهريب تضر كثيراً
بالاقتصاد وتعمل على إضعافه، إلا أن حدود البلاد المفتوحة وعدم مقدرة السلطات على
التحكم فيها ساعد على انتشار الجريمة.
ويرى مراقبون أن قرار القطاع
الاقتصادي بمجلس الوزراء بحظر تجارة الحدود والتعامل بها في البلاد في العام 2009م
أسهم في زيادة نسبة التهريب خاصة بعد أن أعقب القرار مرسوم رئاسي قضى بأن تكون
تجارة الحدود من اختصاصات مجلس الوزراء الأمر الذي خلف سلبيات كان القطاع في غفلة
عنها عند اتخاذ القرار.
وترى وزارة المعادن أن إنشاء بورصة
الذهب سيقضي بشكل كبير على نشاط التهريب، وتقول إن المنتجين سيكون أمامهم بيع
الذهب في البورصة بذات الأسعار المعروفة، وهو ما يشجعهم على التعامل مع البورصة،
فيما تصوب انتقادات كثيرة في اتجاه سياسات البنك المركزي في شراء الذهب.
وتكررت عمليات تهريب الذهب في
الآونة الأخيرة بصورة لافتة، بالرغم من فرض السلطات الأمنية رقابة كبيرة على
التهريب، ولا شك أن التهريب يؤثر بشكل كبير على الإيرادات العامة للدولة وحرمان
خزينة الدولة من الرسوم والعائدات الجمركية، في ظل تأكيدات وزارة المعادن بتحقيق إيرادات
الذهب عائدات “1.4” مليار دولار، من مجمل الإنتاج البالغ “93.4” طن ذهب، مما يحتم
تكاتف وتضافر جميع الجهود لمحاربة التهريب بما يسهم تحقيق الاستقرار الاقتصادي
للبلاد لجهة أن إفقار خزينة الدولة سيؤثر على تبني المشاريع التنموية الخدمية
والإنتاجية، وسبق أن رفض بنك السودان المركزي في سياساته السابقة دخول القطاع
الخاص في شراء وتصدير الذهب إلى الخارج بحجة أن الذهب يعتبر كالنقد لا يحق لأي
شركة الدخول في شرائه وتصديره إلى الخارج، إلا أن سياساته لم تثمر وازداد من
خلالها تهريب الذهب إلى الخارج بقيمة أكثر من 3 مليارات دولار في الوقت الذي صدر
فيه البنك المركزي ذهباً بقيمة مليار دولار فقط نتيجة لتنامي التهريب، وأنتج
السودان خلال الفترة السابقة أكثر من 90 طناً ذهباً، إلا أن بنك السودان اشترى
وصدر حوالي 30 طناً فقط، ما يعني ازدياد نشاط تهريبه في الآونة الأخيرة نتيجة
لسياساته التي منعت القطاع الخاص من الشراء والتصدير.
ليس جديداً أن يثار الحديث عن
تهريب كميات من إنتاج الذهب، لكن الجديد هو معرفة نسبة وأرقام الفاقد من الإنتاج
وأين يذهب. وهنا تبدو الإجابة معلومة “الفاقد يذهب للخارج بالتهريب”، وهو فاقد ليس
قليلاً ويقارب نسبة 80% من الإنتاج الفعلي، وقبل ذلك ما هي أسباب هذا الفقد، وكيف
تتم السيطرة على كميات الإنتاج، فالثابت أن كميات المنتج من المعدن الأصفر ظلت على
مدى السنوات الماضية طي المجهول، والأرقام التي تعلنها وزارة المعادن – كما يقول
مختصون- إما تقديرية أو مفتقرة للمصداقية.
مدير هيئة الأبحاث الجيولوجية
بوزارة المعادن د. محمد أبو فاطمة، بشير إلى أن استفادة البلاد من إنتاج الذهب ما تزال
دون المأمول، وقال أبو فاطمة إن إنتاج البلاد الحقيقي من الذهب يقدر بـ “250”
طناً، لكن ما يتم تحصيله فعلياً لا يتجاوز “50” طناً، وطالب بتغيير السياسات
واستحداث أنماط عمل جديدة للتعدين وتطوير المعامل والمختبرات وإعادة صياغة
القوانين والتشريعات وتوفير التخريط والمسح الجيولوجي والاهتمام بتاهيل الكوادر
العاملة، ودعا لوضع سياسات جديدة لقطاع التعدين المنظم ونوه لعدم استغلال الموارد
المعدنية في الفترة السابقة بصورة مثلى، وشكا من التهريب الذي تستفيد منه دول
الجوار.
ولكن وزير المعادن يرى أن التهريب
يتم لكون القطاع تقليدي بنسبة كبيرة، مشيراً إلى أن التعدين التقليدي يمثل 80%،
وهو تعدين ذو آليات بسيطة وبدائية، وعزا أسباب التهريب لافتقار البلاد لأجهزة
مراقبة التهريب وأجهزة مراقبة الإنتاج الفعلي بمواقع التعدين، بجانب عدم القدرة
على الحصول على الأجهزة المعتمدة الحديثة لختم الذهب، وقال: نعاني من عدم وجود
عربات مؤمنة لنقل المعادن إضافة لكاميرات مراقبة الإنتاج الدقيقة وتقنيات حديثة في
المناجم وأجهزة رصد التهريب ومعامل التحليل المتقدمة، حيث يفتقر السودان لمعمل
حديث، مما يضطرهم لإرسال العينات خارج البلاد، وقال بأنها مخاطرة، وأشار لأهمية
توطين التصنيع التعديني.
روشتة الحد من التهريب بحسب ما
يقول مدير شركة الموارد المعدنية، د. هشام توفيق تتمثل في إعادة صياغة قوانين
التعدين بما فيها قانون الكرتة وعقود الامتياز والسياسات التي لها علاقة
بالولايات، وانتقد مناشير بنك السودان المركزي حول النقد الأجنبي، وقال “سلطة بنك السودان
محتاجة لوصف”، ودعا للمرونة لقبول الاتفاقيات الخاصة، وأقر بأن الأرض تمثل معضلة
أمام الاستثمار بالقطاع بجانب الزكاة وضريبة القيمة المضافة والإعفاءات الجمركية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق