قبل أيام كان مسؤول أمريكي سابق بالبيت
الأبيض يستجيب لدعوة مزارع بسيط في منطقة جبل الأولياء..هذا المزارع مثل غيره من
معظم السودانيين يعتقد أن كافة مشاكله ستنتهي بمجرد رفع العقوبات الأمريكية على
بلاده..المزارع عبدالله وعد ضيفه الأمريكي أنه سيكرمه بذبح ثور له قرون حينما ترفع
الإدارة الأمريكية عقوباتها في شهر أكتوبر المقبل..هذا التبسيط المخل يسيطر كذلك على
عقول النخب الفاعلة في المشهد السياسي.
قبل الحديث عن أثر العقوبات الاقتصادية
علينا أن نتوقف عند الشراكة الاقتصادية بين الخرطوم وواشنطن حتى قبل مجيء حكومة
الإنقاذ ..المتفق عليه أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد قلصت حجم التعاون
الاقتصادي مع السودان منذ أواخر أيام الرئيس جعفر نميري عقب توجهاته نحو الإسلام
السياسي..في عهد حكومة الإمام الصادق المهدي انحصر التعاون في بعض المساعدات
الاقتصادية والعون الإنساني ..بعيد الانقاذ وقبل فرض العقوبات انحسر التعاون إلى مستويات
دنيا ..لهذا كان أثر العقوبات طفيفاً على الاقتصاد السوداني الذي تمكن من النجاة
بشق الأنفس وعبر فتح مسارات بديلة.
حتى هذه اللحظة لا تملك الحكومة السودانية
إحصاءات دقيقة عن حجم الأثر السالب للعقوبات الأمريكية..عدم وجود الإحصاءات
الدقيقة متلازمة سودانية في كثير من القضايا التي يكون الحساب الحد الفاصل ما بين
الجد واللعب.. في أغلب الأحيان كانت الحكومة السودانية تستخدم هذه العقوبات كذريعة
تبرر الفشل الاقتصادي والعزلة السياسية.. هنا يكمن التحدي حينما ترفع العقوبات و تستمر
الصعوبات الاقتصادية على كاهل المواطن.
منذ نحو عامين تم تخفيف العقوبات الامريكية
على السودان عبر استثناء قطاعات واسعة من المقاطعة..حيث بات التعاون الزراعي
مفتوحاً على مصراعيه وكذلك فتحت نوافذ كثيرة في انتقال التقنية الناعمة..حيث بات
مثلاً بإمكان مصنع سكر النيل الأبيض أن يستورد أنظمة تشغيل كمبيوترية كانت محظورة
في السابق..بل منذ نصف عام تم رفع كل العقوبات بشكل مؤقت تم تجديده مرة أخرى الى
تسعين يوماً.. رغم هذه الخطوات إلا أن أقدار الجنيه السوداني كانت في هبوط متواصل
أمام نظيره الدولار.
في تقديري من الأحوط خفض مستوى الانفراج
الذي ستحدثه قرارات رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد السوداني
..السودان مواجه بحزم مختلفة من المواجهات أدت إلى العزلة السياسية والواقع
الاقتصادي البائس..من المهم جداً أن تعمل الحكومة للخروج من القائمة الامريكية
للدول الراعية للارهاب..وأن تبذل مساعٍ متصلة مصحوبة بإصلاح سياسي داخلي حتى تستفيد
من مبادرات إعفاء الديون..وقبل كل ذلك الاهتمام بزيادة الإنتاج وفتح البلاد أمام
الاستثمار الأجنبي الذي يبحث عن بيئة آمنة قبل أن يحط رحاله .
بصراحة..رفع العقوبات الأمريكية ستكون مجرد
خطوة في طريق طويل وشائك على الاقتصاد السوداني أن يسلكه.. من الصعب الفصل بين
المسار السياسي والاقتصادي في برنامج الخروج من العزلة الدولية والاندماج في
المجتمع الدولي .
عبدالباقي الظافر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق