يشهد العالم حالياً حالة من عدم الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي، تزداد فيه مظاهر التباطؤ في النمو الاقتصادي في معظم دول العالم، وتعاني فيه الكثير من الدول ثقل المديونية الحكومية، ولا يستثنى من ذلك حتى الدول المتقدمة، والأسباب عديدة. فقد شهدت أسواق الأسهم العالمية منذ خسائر قياسية، حيث تكبدت الأسواق تريليونات الدولارات خلال أشهر فقط، مما يدل على أن الأسواق فقدت أرباحها خلال العامين السابقين، كما تراجعت القيمة السوقية للأصول إلى أقل من 60 تريليون دولار للمرة الأولى منذ عام 2014، في ظل فشل سياسات لتحفيز النمو الاقتصادي، وقد أرجعت الوكالات العالمية المتخصصة خسارة الأسواق العالمية إلى هبوط أسعار السلع الأولية مثل النفط الذي انخفض بنحو 60% منذ شهر يونيو 2014، عندما بدأ الإنتاج العالمي المرتفع يصطدم بتباطؤ النمو الاقتصادي، كما أن تنامي مخاوف المستثمرين بشأن النمو الاقتصادي العالمي، وخاصة الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يؤثر سلباً على الأسواق العالمية، ويرى العديد من الخبراء أن تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني كان أحد أسباب هبوط أسعار الطاقة والسلع الأولية. وأظهرت بيانات اقتصادية أن العجز التجاري الصيني في قطاع الخدمات ارتفع بصورة مخيفة، ويأتي تراجع الأسواق العالمية بالرغم من اتباع المصارف المركزية العالمية سياسات لتحفيز اقتصاداتها كالتيسير الكمي وخفض أسعار الفائدة الرئيسية. ويرى العديد من الخبراء أن المصدر الرئيس للعديد من الصعوبات الاقتصادية هو السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي فشلت في دفع الاقتصاد للتعافي القوي كما كان متوقعاً، وذلك بعد سنوات من خفض معدلات الفائدة، وما زالت معدلات التضخم منخفضة في أمريكا، رغم وصول الاقتصاد إلى ما يعتبره الاحتياطي الفدرالي مستوى التشغيل الكامل، وفي ذات الوقت ذاته كشفت وكالة التصنيف الائتماني، عن مرور الاقتصاد العالمي بأسوأ وضع يشهده خلال الوقت الراهن منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. وأكدت أن ديون الشركات ذات الفئة المتوسطة أو المتدنية، لن تستطيع النجاة بنفسها من نتائج الأعراض الراهنة، التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، وترى الوكالة أن الانكماش المستمر بأسعار السلع الصناعية، يمثل دليلاً واضحاً على تراخي الاقتصاد العالمي. وبيّنت أن أسعار النفط، بدأت بالاقتراب من أدنى مستوياتها، التي سجلتها خلال سنوات الكساد العظيم، بينما هبط مؤشر أسعار المعادن الأساسية، إلى مستويات تم ملاحظتها لآخر مرة خلال صيف 2009، وخلصت الوكالة إلى نتيجة مفادها أن الترابط الوثيق بين معدلات نمو الاقتصاد العالمي، ومؤشر أسعار المعادن الصناعية، يشير إلى مراجعة تصنيف 2015 لنمو الاقتصاد العالمي، وتخفيضه من مستوى 3.1% إلى مستوى يتراوح بين 2.5% و3%، وفي ذات السياق قال معهد التمويل الدولي إن التدفقات الرأسمالية الخارجة من أسواق الدول الناشئة ستفوق الداخلة إليها هذا العام للمرة الأولى منذ 1988مع هبوط الاستثمارات الأجنبية إلى النصف مقارنة مع العام الماضي وارتفاع التدفقات التي يرسلها المقيمون إلى الخارج، وذكر المعهد أن من المتوقع وصول إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى ما يعادل اثنين بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية. ومن الملاحظ أن حالة الضعف الاقتصادي وعدم الاستقرار المالي والنقدي الآخذة في الاتساع والتزايد حول العالم، قد بدأت تطال الاقتصادات التي ظلت طويلاً، في مأمن من الأزمات طوال السنوات الماضية. فقد أظهرت تقارير موثوقة أن فرنسا وفنلندا هي من بين الدول التي بدأت تطالها الأزمة، بعد أن ظلت في مأمن عنها، فخلال الفترة الماضية خفضت وكالة التصنيف الائتماني التصنيف الائتماني للديون السيادية الفرنسية، بسبب استمرار ضعف النمو الاقتصادي الفرنسي على المدى المتوسط إضافة إلى تنامي احتمالات تزايد عبء الديون الحكومية الفرنسية في المستقبل القريب، بالإضافة إلى مخاطر ارتفاع معدل البطالة، وضعف العائد من أرباح الشركات وضعف القدرة التنافسية للصادرات الفرنسية، وبالنسبة للاقتصاد الفنلندي تعرض لبعض الصدمات العام الماضي، ولا سيما في بعض الصناعات الرئيسة، من بينها الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى تضرر الاقتصاد الفنلندي من التطورات السلبية في الاقتصاد العالمي، ولا سيما تلك التطورات التي تمسه بشكل مباشر كالعقوبات المفروضة على روسيا، والتي أضرّت بالتجارة المتبادلة بين فنلندا وروسيا بشكل كبير.
وعلى الرغم من توجيه أصابع الاتهام للصين، في ما يحدث على الصعيد الاقتصادي والمالي العالمي، فإن هبوط الاقتصاد الصيني بشكل حاد لا يبدو مرجحاً، على الرغم من أن التطورات الأخيرة ألقت ببعض الشكوك على الآفاق الاقتصادية للصين، ووفقاً لما ذكره تقرير التنافسية العالمية 2015ـ 2016 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث قال التقرير إن الصين حققت تعليماً ابتدائياً شاملاً تقريباً ومستويات عالية من الصحة العامة واستثمرت بكثافة في البنية التحتية للنقل والطاقة وضمنت بيئة مستقرة نسبياً للاقتصاد الكلي. وأضاف التقرير أن هذه النجاحات لم تسهم في بروز الصين كمركز صناعي فحسب، وإنما أيضاً مثلت أصولاً لنموها المستقبلي، في الوقت نفسه قال محللون بالمنتدى الاقتصادي العالمي إن تباطؤ الاقتصاد الصيني في نهاية المطاف كان حتمياً ومتوقعاً وطبيعياً تماماً بالنظر إلى مسار النمو الهائل للصين خلال العقدين الماضيين، وقال التقرير إن هناك مؤشرات على أن الحكومة تستعد لمرحلة جديدة من الاقتصاد وأعادت ضبط أهدافها الخاصة بالنمو من الكم إلى النوعية، وأوضح أن التحديات والمخاطر السلبية في الصين كثيرة على الرغم من أن الاقتصاد من غير المرجح أن يواجه هبوط حاد. وأضاف أن العامل الأكثر إشكالية لممارسة الأعمال في الصين هو افتقارها للقدرة على الابتكار، وهو الأمر الذي أصبح يمثل قلقاً متنامياً في السنوات الأخيرة، وبالنسبة لسويسرا أظهر التقرير إن الدولة الأوروبية لا تزال الاقتصاد الأكثر تنافسية في العالم للسنة السابعة على التوالي، حيث أظهر أدائها القوي في جميع الفئات الرئيسة لمؤشر التنافسية العالمي مرونة اقتصادها أثناء الأزمات وتداعياتها اللاحقة
صلاح الدين الحاج محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق